فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن عطية في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {هم الذين}
أشار عبد الله بن أبي ومن قال بقوله، قاله علي بن سليمان ثم سفه أحلامهم في أن ظنوا إنفاقهم هو سبب رزق المهاجرين ونسوا أن جريان الرزق بيد الله تعالى، إذا انسد باب انفتح غيره، وقرأ الفضل بن عيسى الرقاشي: {حتى يُنفِضْوا} بضم الياء وتخفيف الفاء، يقال: (أنفض) الرجل إذا فني طعامه فنفض وعاءه والخزائن موضع الإعداد، ونجد القرآن قد نطق في غير موضع بالخزائن ونجد في الحديث: «خزنة الريح» وفي القرآن: {من جبال فيها من برد} [النور: 43]، فجائز أن تكون هذه عبارة عن القدرة وأن هذه الأشياء إيجادها عند ظهورها جائز. وهو الأظهر. إن منها أشياء مخلوقة موجودة يصرفها الله تعالى حيث شاء، وظواهر ألفاظ الشريعة تعطي هذا. ومعناه في التفسير قال عتت على الخزان، وفي الحديث: «ما انفتح من خزائن الريح على قوم عاد إلا قدر حلقة الخاتم، ولو انفتح مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا»، وقال رجل لحاتم الأصم: من أين تأكل، فقرأ: {ولله خزائن السماوات والأرض}، وقال الجنيد: {خزائن} السماء: الغيوب، و{خزائن} الأرض: القلوب: وقرأ الجمهور: {ليُخرِجن الأعز} بضم الياء وكسر الراء بمعنى أن العزيز يخرج الذليل ويبعده، وقال أبو حاتم: وقرئ: {لنخرُجن} بنون الجماعة مفتوحة، وضم الراء، {الأعزّ} نصبا منها، {الأذلّ} أيضا نصبا على الحال، وذكرها أبو عمر الداني عن الحسن، ورويت هذه القراءة: {لنُخرِجن} بضم النون وكسر الراء، وقرأ قوم فيما حكى الفراء والكسائي، وذكرها المهدوي: {ليخرُجن الأعز منها الأذلّ} بفتح الياء وضم الراء. ونصب {الأذلّ} على الحال بمعنى: أن نحن الذين كنا أعزة سنخرج أذلاء، وجاءت هذه الحال معرفة، وفيها شذوذ، وحكى سيبويه: أدخلوا الأول فالأول، ثم أعلم تعالى أن العزة لله وللرسول وللمؤمنين، وفي ذلك وعيد، وروي أن عبد الله بن عبد الله بن أبي، وكان رجلا صالحا لما سمع الآية، جاء إلى أبيه فقال له: أنت والله يا أبت الذليل، ورسول الله العزيز، فلما وصل الناس إلى المدينة، وقف عبد الله بن عبد الله على باب السكة التي يسلكها أبوه، وجرد السيف ومنعه الدخول، وقال: والله لا دخلت إلى منزلك إلا أن يأذن في ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعبد الله بن أبي في أذل الرجال، وبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه أن خلّه يمض إلى منزله، فقال: أما الآن فنعم، فمضى إلى منزله.
{يا أيُّها الّذِين آمنُوا لا تُلْهِكُمْ أمْوالُكُمْ ولا أوْلادُكُمْ عنْ ذِكْرِ اللّهِ}
الإلهاء والإشغال بملتذ وشهوة، و{ذكر الله} هنا عام في الصلاة والتوحيد والدعاء، وغير ذلك من فرض ومندوب، وهذا قول الحسن وجماعة من المفسرين، وقال الضحاك وعطاء وأصحابه: المراد بالذكر: الصلاة المكتوبة، والأول أظهر، وكذلك قوله تعالى: {وأنفقوا مما رزقناكم}، قال جمهور من المتأولين: المراد الزكاة، وقال آخرون: ذلك عام في مفروض ومندوب. وقوله: {يأتي أحدكم الموت} أي علاماته، وأوائل أمره وقوله: {لولا أخرتني إلى أجل قريب}، طلب للكرة والإمهال، وفي مصحف أبي بن كعب: {آخرتن} بغير ياء، وسماه قريبا لأنه آت، وأيضا فإنما يتمنى ذلك ليقضي فيه العمل الصالح فقط، وليس يتسع الأمل حينئذ لطلب العيش ونضرته، وفي مصحف أبي: {فأتصدق}، وقوله: {وأكن من الصالحين} ظاهره العموم، فقال ابن عباس هو الحج، وروي عنه أنه قال في مجلسه يوما: ما من رجل لا يؤدي الزكاة ولا يحج إلا طلب الكرة عند موته فقال له رجل: أما تتقي الله المؤمن بطلب الكرة؟ فقال له ابن عباس: نعم، وقرأ الآية، وقرأ جمهور السبعة والناس: {وأكنْ} بالجزم عطفا على الموضع، لأن التقدير: {إن تؤخرني أصدق وأكن}، هذا مذهب أبي علي، فأما ما حكاه سيبويه عن الخليل فهو غير هذا وهو جزم {أكن} على توهم الشرط الذي يدل عليه التمني، ولا موضع هنا، لأن الشرط ليس بظاهر، وإنما يعطف علىلوضع حيث يظهر الشرط كقوله تعالى: {من يضلل الله فلا هادي به} [الأعراف: 186]، ونذرهم، فمن قرأ بالجزم عطف على موضع {فلا هادي له} [الأعراف: 186]، لأنه وقع هنالك فعل كان مجزوما، وكذلك من قرأ: {ونكفر} بالجزم عطفا على موضع فهو خير لكم، وقرأها أبو عمرو وأبو رجاء والحسن وابن أبي إسحاق، ومالك بن دينار وابن محيصن والأعمش وابن جبير وعبيد الله بن الحسن العنبري، قال أبو حاتم، وكان من العلماء الفصحاء: {وأكون} بالنصب عطفا على {فأصدق}، وقال أبو حاتم في كتبها في المصحف بغير واو، وإنهم حذفوا الواو كما حذفوها من {أبجد} وغيره، ورجحها أبو علي، وفي مصحف أبيّ بن كعب وابن مسعود: {فأتصدق وأكن} وفي قوله تعالى: {ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها}، حض على المبادرة ومسابقة الأجل بالعمل الصالح، وقرأ السبعة والجمهور: {تعملون} بالتاء على المخاطبة لجميع الناس، وقرأ عاصم في رواية أبي بكر: {بما يعملون} بالياء على تخصيص الكفار بالوعيد. اهـ.

.قال أبو السعود في الآيات السابقة:

وقوله تعالى: {هُمُ الذين يقولون} أي للأنصارِ {لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله} صلى الله عليه وسلم {حتى ينفضُّواْ} يعنون فُقراء المهاجرين، استئنافٌ جارٍ مجْرى التعليل لفسقِهِم أو لعدمِ مغفرتِهِ تعالى لهُم وقرئ {حتى ينْفِضُوا} من أنفض القومُ إذا فنيتْ أزوادُهُم وحقيقتُه حان لهم أن ينفضُوا مزاودهُم. وقوله تعالى: {ولِلّهِ خزائِنُ السموات والأرض} ردُّ وإبطالٌ لما زعمُوا من أن عدم إنفاقهِم يؤدي إلى انفضاضِ الفُقراء منْ حولِهِ عليهِ الصلاةُ والسلامُ ببيانِ أنّ خزائن الأرزاقِ بيدِ الله تعالى خاصّة يُعْطِي منْ يشاءُ ويمنعُ من يشاءُ {ولكن المنافقين لا يفْقهُون} ذلك لجهلِهم بالله تعالى وبشؤونهِ ولذلك يقولون مِنْ مقالاتِ الكفرِ ما يقولون.
{يقولون لئِن رّجعْنا إِلى المدينة ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل} رُوِي أن جهْجاه بن سعيدٍ أجير عمر رضي الله عنهُ نازع سِنانا الجُهْنيّ حليف ابنِ أبي واقتتلا فصرخ جهجاهُ يا للمهاجرين وسنانٌ يا للأنصارِ فأعان جهجاها رجالٌ من فُقراء المهاجرين ولطم سنانا فاشتكى إلى ابْنِ أُبي فقال للأنصارِ لا تُنفقُوا إلخ والله لئِن رجعنا إلى المدينةِ ليُخرجنّ الأعزُّ منها الأذلّ عنى بالأعزِّ نفسهُ وبالأذلِّ جانب المؤمنين وإسنادُ القول المذكورِ إلى المنافقينِ لرضاهُم بهِ فردّ عليهِم ذلك بقوله تعالى: {ولِلّهِ العزة ولِرسُولِهِ ولِلْمُؤْمِنِين} أي ولله الغلبةُ والقوةُ ولمنْ أعزّهُ من رسولِهِ والمؤمنين لا لغيرِهِم {ولكن المنافقين لا يعْلمُون} من فرطِ جهلِهِم وغرورِهِم فيهذُون ما يهذُون. رُوِي أنّ عبد الله بنِ أُبي لما أراد أن يدخل المدينة اعترضهُ ابنُهُ عبدُ الله بنُ عبدِ الله بنِ أُبي وكان مخلصا وقال لئِن لم تُقِرّ لله ولرسولِه بالعزِّ لأضرِبنّ عنقك فلمّا رأى منه الجِدّ قال أشهدُ أنّ العزة لله ولرسولِه وللمؤمنين فقال النبيُّ عليهِ الصلاةُ والسلامُ لابنهِ جزاك الله عن رسولِهِ وعن المؤمنين خيرا.
{يا أيها الذين ءامنُواْ لا تُلْهِكُمْ أموالكم ولا أولادكم عن ذِكْرِ الله} أي لا يشغلْكُم الاهتمامُ بتدبيرِ أمورِها والاعتناءُ بمصالحِها والتمتعُ بها عن الاشتغالِ بذكرِهِ عزّ وجلّ من الصلاةِ وسائرِ العباداتِ المذكّرةِ للمعبودِ والمرادُ نهيهُم عنِ التّلهّي بها، وتوجيهُ النهيِ إليها للمبالغةِ كما في قوله تعالى: {ولا يجْرِمنّكُمْ شنانُ قوْمٍ} إلخ {ومن يفْعلْ ذلك} أي التّلهي بالدُّنيا من الدينِ {فأُوْلئِك هُمُ الخاسرون} أي الكاملون في الخسرانِ حيثُ باعُوا العظيم الباقِي بالحقيرِ الفانِي {وأنفِقُواْ مِمّا رزقناكم} أي بعض ما أعطيناكُم تفضلا منْ غيرِ أنْ يكون حصولُهُ من جهتِكُم ادخارا للآخرةِ {مّن قبْلِ أن يأْتِى أحدكُمُ الموت} بأنْ يشاهد دلائلهُ ويعاين أماراتِهِ ومخايلهُ، وتقديمُ المفعولِ على الفاعلِ لما مرّ مرارا من الاهتمامِ بما قُدِّم والتشويقِ إلى ما أُخِّر {فيقول} عند تيقنِه بحلولِهِ {ربّ لوْلا أخّرْتنِى} أي أمهلتنِي {إلى أجلٍ قرِيبٍ} أي أمدٍ قصيرٍ {فأصّدّق} بالنصبِ على جوابِ التمنِي وقرئ {فأتصدق} {وأكُن مّن الصالحين} بالجزمِ عطفا على محلِّ {فأصدق} كأنه قيل إنْ أخرتنِي أصدقْ وأكنْ وقرئ {وأكون} بالنصبِ عطفا على لفظِهِ وقرئ {وأكونُ} بالرفعِ أي وأنا أكون، عِدة منه بالصلاحِ {ولن يُؤخّر الله نفْسا} أي ولنْ يُمهلها {إِذا جاء أجلُها} أي آخرُ عُمرِها أو انتهى إنْ أُريد بالأجلِ الزمانُ الممتدُ من أولِ العمرِ إلى آخرِهِ {والله خبِيرٌ بِما تعْملُون} فمجازيكُم عليهِ إنْ خيرا فخيرٌ وإنْ شرا فشرٌّ فسارعُوا في الخيراتِ واستعدُّوا لما هُو آتٍ وقرئ {يعملُون} بالياءِ التحتانيةِ. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله تعالى: {إِذا جاءك المنافقون}
إذا حرف من حروف التوقيت، وجوابه قوله: {فاحذرهم} وهذا إعلام من الله تعالى بنفاقهم وكذبهم وغرورهم.
{قالواْ نشْهدُ إِنّك لرسُولُ الله} يعني: يقولون ذلك بلسانهم دون قلوبهم.
{والله يعْلمُ إِنّك لرسُولُهُ} من غير قولهم.
{والله يشْهدُ} يعني: يبيِّن {إِنّ المنافقين لكاذبون} يعني: إنهم مصدقون في قولهم، ولكنهم كاذبون بأنهم أرادوا به الإيمان.
ثم قال عز وجل: {اتخذوا أيمانهم جُنّة} يعني: حلفهم جُنّة من القتل، وقرأ بعضهم: {اتخذوا} إيمانهم بكسر الألف، يعني: اتخذوا إظهارهم الإسلام وتصديقهم سترا.
لأنفسهم، وقراءة العامة: {اتخذوا أيمانهم} بالنصب يعني: استتروا بالحلف.
وكلما ظهر نفاقهم، حلفوا كاذبين.
ثم قال: {فصدُّواْ عن سبِيلِ الله} يعني: صرفوا الناس عن دين الله وهو الإسلام.
{إِنّهُمْ ساء ما كانُواْ يعْملُون} يعني: بئس ما كانوا يعملون، حيث أظهروا الإيمان وأسروا الكفر، وصدوا الناس عن الإيمان.
{ذلِك بِأنّهُمْ} يعني: ذلك الحلف وصرف الناس عن الإيمان بأنهم {ءامنُواْ} يعني: أقروا باللسان علانية، {ثُمّ كفرُواْ} يعني: كفروا في السر.
{فطُبِع على قُلُوبِهِمْ} بالكفر، {فهُمْ لا يفْقهُون} الهدى ولا يرغبون فيه.
قوله تعالى: {وإِذا رأيْتهُمْ} يعني: المنافقين، {تُعْجِبُك أجسامهم} يعني: عبد الله بن أبي ابن سلول المنافق، كان رجلا جسيما فصيحا يعني: يعجبك منظرهم وفصاحتهم.
{وإِن يقولواْ تسْمعْ لِقولهِمْ} يعني: تصدقهم فتحسب أنهم محقون.
{كأنّهُمْ خُشُبٌ مُّسنّدةٌ}، قال مقاتل: فيها تقديم، يقول: كأن أجسامهم خشب مسندة بعضها على بعض قائما، وإنها لا تسمع ولا تعقل، ويقال: {خُشُبٌ مُّسنّدةٌ} يعني: خشب أسند إلى الحائط، ليس فيها أرواح، فكذلك المنافقون لا يسمعون الإيمان ولا يعقلون.
قرأ الكسائي، وأبو عمرو، وابن كثير في إحدى الروايتين {كأنّهُمْ خُشُبٌ} بجزم الشين، والباقون بالضم، ومعناهما واحد، وهو جماعة الخشب.
فوصفهم بتمام الصور، ثم أعلم أنهم في ترك التفهم بمنزلة الخشب.
ثم قال: {يحْسبُون كُلّ صيْحةٍ عليْهِمْ}، فوصفهم بالجبن أي: كلما صاح صائح، ظنوا أن ذلك لأمر عليهم ويقال: إن كل من خاطب النبي صلى الله عليه وسلم، كانوا يخافون ويظنون أنه مخاطب يخاطبه في أمرهم، وكشف نفاقهم.
ثم أمر أن يحذرهم، وبيّن أنهم أعداؤه فقال: {هُمُ العدو} يعني: هم أعداؤك، {فاحذرهم} ولا تأمن من شرهم.
ثم قال: {قاتلهم الله} يعني: لعنهم {أنى يُؤْفكُون} يعني: من أين يكذبون؟ ويقال: من أين يصرفون عن الحق؟.
ثم قال عز وجل: {وإِذْ قِيل لهُم تعالوْاْ يسْتغْفِرْ لكُمْ رسُولُ الله لوّوْاْ رُؤُوسهُمْ} يعني: عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار وأعرضوا عنه.
وذلك أن عبد الله بن أبي ابن سلول قيل له: يا أبا الحباب قد أنزل فيك آي: شداد، فاذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستغفر لك، فلوى رأسه ثم قال: أمرتموني أن أؤمن، فقد آمنت.
وامرتموني أن أعطي زكاة مالي، فقد أعطيت.
وما بقي إلا أن أسجد لمحمد صلى الله عليه وسلم.
قرأ نافع {لوّوْاْ رُؤُوسهُمْ} بالتخفيف، والباقون بالتشديد.
ومن قرأ بالتخفيف، فهو من لوى يلوي؛ ومن قرأ بالتشديد، فهو للتكثير.
ثم قال: {ورأيْتهُمْ يصُدُّون وهُم مُّسْتكْبِرُون} يعني: يعرضون عن الاستغفار مستكبرين عن الإيمان في السر.
ثم أخبر: أن الاستغفار لا ينفعهم، ما داموا على نفاقهم، فقال: {سواء عليْهِمْ أسْتغْفرْت لهُمْ أمْ لمْ تسْتغْفِرْ لهُمْ لن يغْفِر الله لهُمْ}، لأنهم منافقون.
{إِنّ الله لا يهْدِى القوم الفاسقين} يعني: لا يرشدهم إلى دينه، لأنهم لا يرغبون فيه.
ثم قال: {هُمُ الذين يقولون لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله حتى ينفضُّواْ} يعني: يتفرقوا.
وروى سفيان بن عيينة، عن عمرو بن دينار قال: سمعت جابر بن عبد الله يقول: كنا في غزوة، فكسح رجل من المهاجرين رجلا من الأنصار، فقال الأنصاري يا للأنْصارِ وقال: المهاجري: يا للمهاجرين.
فسمع النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: «ما بالُ دعْوى الجاهِلِيّةِ، دعُوها فإنّها فِتْنةٌ».
فقال عبد الله بن أبي: والله لئن رجعنا إلى المدينة، ليخرجن الأعز منها الأذل.
فقال عمر: دعني يا رسول الله أضرب رأس هذا المنافق فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «دعْهُ لا يتحدّث النّاسُ أنّ مُحمّدا يقْتُلُ أصْحابهُ».
وروى معمر، عن قتادة أن عبد الله بن أبي قال لأصحابه: لا تنفقوا على من عند رسول الله، فإنكم لو لم تنفقوا عليهم قد انفضوا.
قال: فاقتتل رجلان، أحدهما من جهينة، والآخر من غفار؛ وكانت جهينة حليف الأنصار، فظهر عليهم الغفاري، فقال رجل منهم عظيم النفاق يعني: عبد الله بن أبي: عليكم صاحبكم حليفكم، فوالله ما مثلنا ومثل محمد صلى الله عليه وسلم إلا كما قال القائل: سمِّن كلبك يأكلك. أما والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذلّ.
وروى معمر، عن الحسن: أن غلاما جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: يا نبي الله، إني سمعت أن عبد الله بن أبي يقول كذا.
فقال: «فلعلك غضبت عليه».
فقال: أما والله يا نبي الله، فلقد سمعته يقول.
فقال: «فلعله أخطأ سمعك».
فقال: لا والله يا نبي الله، لقد سمعته يقول.
فأنزل الله تعالى تصديقا للغلام {لئِن رّجعْنا إِلى المدينة}.
فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم بأذن الغلام، وقال: «وعتْ أُذُنُك يا غُلامُ»، فنزل قوله تعالى: {هُمُ الذين يقولون لا تُنفِقُواْ على منْ عِند رسُولِ الله حتى ينفضُّواْ} قال الله تعالى: {ولِلّهِ خزائِنُ السموات والأرض} يعني: مفاتيح السموات وهي المطر والرزق، ومفاتيح الأرض وهي النبات.
{ولكن المنافقين لا يفْقهُون} أمر الله تعالى.
{يقولون لئِن رّجعْنا إِلى المدينة ليُخْرِجنّ الأعز مِنْها الأذل} يعني: القوي {مِنْها} يعني: من المدينة الذليل يعني: محمدا صلى الله عليه وسلم وأصحابه.
قال الله تعالى: {ولِلّهِ العزة ولِرسُولِهِ} يعني: المقدرة والمنعة لله ولرسوله.
{ولِلْمُؤْمِنِين}، حيث قواهم الله تعالى ونصرهم {ولكن المنافقين لا يعْلمُون} يعني: لا يصدقون في السر.
ويقال: {ولِلّهِ العزة} يعني: القدرة، ويقال: نفاذ الأمر {ولِرسُولِهِ}، وهو عزة النبوة والرسالة {ولِلْمُؤْمِنِين}، وهو عز الإيمان والإسلام، أعزهم الله في الدنيا والآخرة.
ولكن المنافقين لا يعلمون.
ثم قال عز وجل: {يعْلمُون يا أيها الذين ءامنُواْ لا تُلْهِكُمْ أموالكم} يعني: لا تشغلكم أموالكم {ولا أولادكم عن ذِكْرِ الله} يعني: عن طاعة الله تعالى.
{ومن يفْعلْ ذلك} يعني: من لم يعمل بطاعته ولم يؤمن بوحدانيته، {فأُوْلئِك هُمُ الخاسرون} يعني: المغبونين بذهاب الدنيا وحرمان الآخرة.
ثم قال عز وجل: {وأنفِقُواْ مِمّا رزقناكم} يعني: تصدقوا مما رزقناكم، أي: مما رزقكم الله من الأموال.
{مّن قبْلِ أن يأْتِى أحدكُمُ الموت فيقول ربّ لوْلا أخّرْتنِى إلى أجلٍ قرِيبٍ} يعني: يقول: يا سيدي ردني إلى الدنيا، {فأصّدّق} يعني: فأتصدق، ويقال: أصدق بالله.
{وأكُن مّن الصالحين} يعني: أفعل كما فعل المؤمنون.
وروى الضحاك، عن ابن عباس أنه قال: من كان له مال يجب فيه الزكاة فلم يزكه، أو مال يبلغه بيت الله فلم يحج، سأل عند الموت الرجعة قال: فقال رجل: اتق الله يا ابن عباس، سألت الكفار الرجعة.
قال: إني أقرأ عليك بهذا القرآن، ثم قرأ {ذلِك بِأنّ الذين كفرُواْ} إِلى قوله: {فأصّدّق وأكُن مّن الصالحين} فقال رجل: يا ابن عباس، وما يوجب الزكاة؟ قال: مائتان فصاعدا.
قال: فما يوجب الحج؟ قال: الزاد والراحلة.
قرأ أبو عمرو، {فأصّدّق} بالواو وفتح النون، والباقون {إِليْهِنّ وأكُن} بحذف الواو بالجزم.
فمن قرأ {أكُون} لأن قوله: {فأصّدّق} جواب لولا أخبرتني بالفاء، {فأكون} معطوفا عليه.
ومن قرأ {وأكُن}، فإنه عطفه على موضع {فأصّدّق}، لأنه على معنى إن أخرتني أصدق وأكن، ولم يعطفه على اللفظ.
قال أبو عبيدة: قرأت في مصحف عثمان هكذا بغير واو.
ثم قال: {ولن يُؤخّر الله نفْسا إِذا جاء أجلُها} يعني: إذ جاء وقتها.
{والله خبِيرٌ بِما تعْملُون} من الخير والشر، فيجازيكم.
قرأ عاصم في رواية أبي بكر {يعْلمُون} بالياء على معنى الخبر عنهم، والباقون بالتاء على معنى المخاطبة والله أعلم. اهـ.